دعاء الكروان
صفحة 1 من اصل 1
دعاء الكروان
( دعاء الكروان ) ( 1 )
[size=21]( فتح صديقي نافذة غرفة مكتبنا المغلقة منذ شهور،
[/size][size=21]تسلل صوت دعاء الكروان من فوق سطح إحدى البنايات ،
[/size][size=21]داعب قلبي المتحجر ،
[/size][size=21]فتح برفق أبوابه الموصدة ،
[/size][size=21]تسرب حنين الذكريات بين حناياه اليابسة ،
[/size][size=21]أحسست برغبة في التقاط أنفاسي ،
[/size][size=21]امتدت أصابعي إلى ربطة عنقي التي أحكمت الخناق حوله تفكها ،
[/size][size=21]أزحت لوحة مفاتيح الكمبيوتر بعيدا و انتفضت واقفا ،
[/size][size=21]أتاني صوت صديقي )
[/size][size=21]ـ على فين يا ريس ؟
[/size][size=21]ـ مروح .
[/size][size=21]ـ طب ما لسه بدري ، استنى الساعتين دول و نروح سوا .
[/size][size=21]ـ لا كفاية كده قوي ، أنا رايح البلد .
[/size][size=21]ـ أيوة يا عم ، رايح تبل ريقك ؟ أمـــــوت و أشوفها .
[/size][size=21]ـ هي مين دي إن شاء الله ؟
[/size][size=21]ـ أيوة ياله استهبل استهبل ، البت اللي بتخليك تسيب اللي وراك و اللي قدامك و تجري تروح لها ....
[/size][size=21]( قلت بينما أرتدي معطفي )
[/size][size=21]ـ و الله ما أنت فاهم حاجة ، سلام ...
[/size][size=21]ـ طب و الشغل المتلتل على رأس أبونا ده ؟
[/size][size=21]ـ إياكش يولع بجاز .
[/size][size=21]ـ طب أقول إيه ل (عز ) بيه ؟
[/size][size=21]ـ قول له مات ، جت له شوطة خدته ، اتصرف ، دي مشكلتك أنت ....
[/size][size=21]( انطلقت خارجا ،
[/size][size=21]تسللت من تحت الكتل الخراسانية التي طبقت على صدري لسنوات ،
[/size][size=21]أدفع هذه الأبواب المعدنية الميتة من طريقي ،
[/size][size=21]أخرج إلى الشارع أستنشق نسيم الحرية ، أملأ صدري ...
[/size][size=21]أخذت أسعل بشدة ، ملأ صدري عادم السيارات اللعينة ،
[/size][size=21]هذه الصناديق المعدنية المحمولة على عجلات ،
[/size][size=21]تنفث سمومها طوال اليوم فتحيل الحياة جحيما ،
[/size][size=21]نظرت إلى هذه الغيمة من أبخرة البنزين التي حجبت الرؤية حولي ،
[/size][size=21]وضعت منديلي فوق أنفي و جريت فارا بنفسي ،
[/size][size=21]صرخات أبواقها أخذ يلاحقني ،
[/size][size=21]تسللت يدي بسرعة إلى جيبي ،
[/size][size=21]انتزعت قطعا من منديل ورقي أحشو بها أذني ،
[/size][size=21]حاولت الابتعاد عن هذه الطرق الإسفلتية السوداء ،
[/size][size=21]صعدت أول جسر لعبور المشاة ،
[/size][size=21]هبطت الناحية الأخرى عند محطة القطار ،
[/size][size=21]جريت ألحق بالقطار الذي بدء يتحرك بالفعل ،
[/size][size=21]جلست بجانب النافذة أنظر إلى هذه المكعبات الجامدة ،
[/size][size=21]أخيرا فلتنا من بين فكاك المدينة الموحشة ،
[/size][size=21]تسلل بنا القطار برفق بين الحقول ،
[/size][size=21]حملتني الذكريات فوق جناحيها تسابق القطار ،
[/size][size=21]هبطت بي بين حقول الطفولة ،
[/size][size=21]وجدتني محمولا على كتفيه ،
[/size][size=21]سألته على استحياء )
[/size][size=21]ـ على فين يا با ؟
[/size][size=21]ـ مش كان نفسك تعوم ؟
[/size][size=21]ـ آه ....
[/size][size=21]ـ طيب خلاص ها أعلمك ....
[/size][size=21]( انهلت على رأسه أقبلها غير مصدق )
[/size][size=21]ـ بجد يا با ؟
[/size][size=21]ـ أنا عمري وعدتك بحاجة و خلفت ؟
[/size][size=21]ـ عمرك .
[/size][size=21]ـ طيب خلاص .
[/size][size=21]( وقف فوق الجسر الخشبي و صرخ )
[/size][size=21]ـ يلا عوم .
[/size][size=21]( قذفني في الماء ، صرخت )
[/size][size=21]ـ لأ يـــا بـــــــــــــــــــا ، ما بعرفش أعــــــــوم .......
[/size][size=21]( ارتطمت بالماء و غصت أغرق ،
[/size][size=21]انسحبت روحي ، حبست أنفاسي ،
[/size][size=21]أخذت ألوح بيدي و قدمي يمينا و يسارا ،
[/size][size=21]فجأة أحسست بشيء يرفعني لأعلى ،
[/size][size=21]وجدتني أطفو فوق سطح الماء ،
[/size][size=21]وجدته يحملني فوق ساعديه )
[/size][size=21]ـ ما تخليك راجل أمال ...
[/size][size=21]( حاولت لملمة الحروف )
[/size][size=21]ـ أصل ... أنت .... رميتني فجأة ... ما كنتش واخد بالي ....
[/size][size=21]ـ ما هو لازم كده عشان تتعلم .... يلا حرك أيدك و رجلك ....
[/size][size=21]( أخذت ألوح بيدي و قدمي بينما يحملني على ساعده ،
[/size][size=21]فجأة ،
[/size][size=21]وكزني الجالس جواري بالقطار )
[/size][size=21]ـ إنت نازل فين يا أستاذ ؟
[/size][size=21]( أفقت على تحرك القطار ثانية )
[/size][size=21]ـ شربين .....
[/size][size=21]ـ ما هي دي شربين ، إلحق انزل بسرعة....
[/size][size=21]( نظرت حولي فإذا بالقطار يتحرك ،
[/size][size=21]جريت إلى الباب بينما صرخ الجالسون )
[/size][size=21]ـ حاسب يا اسطى .....
[/size][size=21]( قفزت من القطار بسرعة ،
[/size][size=21]تابعني بعض الركاب مطمئنين ،
[/size][size=21]الحمد لله نزلت بسلام ،
[/size][size=21]رفعت يدي ملوحا متمنيا لهم السلامة ،
[/size][size=21]انتظرت حتى مر القطار ، عبرت السكك الحديدية ،
[/size][size=21]انزويت من بين الأشجار إلى طريق ترابي صغير ،
[/size][size=21]متسللا بين الحقول ،
[/size][size=21]أحسست ببرودة بعض قطرات ماء تتساقط على وجنتي ،
[/size][size=21]نظرت إلى السماء و إذا بالمطر و قد بدء يهطل على استحياء ،
[/size][size=21]طارت العصافير و الحمائم تحتمي بأعشاشها ،
[/size][size=21]رائحة المطر تداعب أنفي ،
[/size][size=21]عبقت رائحة الأزهار الكون من حولي ،
[/size][size=21]ازداد المطر هطولا ،
[/size][size=21]انزويت محتميا بإحدى الأشجار ،
[/size][size=21]أخذ المطر يتساقط بغزارة ،
[/size][size=21]ضممت المعطف طلبا للدفء ،
[/size][size=21]أخذت أتابع القطرات التي بدأت تتجمع حتى سالت خلال قنوات صغيرة إلى المستنقعات المنخفضة حول الأشجار ،
[/size][size=21]بدأت المياه ترتفع من حولي ،
[/size][size=21]ما العمل الآن ؟
[/size][size=21]تسربت المياه إلى داخل حذائي ،
[/size][size=21]هل سأبقى هكذا ؟
[/size][size=21]على ما يبدو أن المطر لن يتوقف ،
[/size][size=21]عندها عزمت على تكملة رحلتي تحت الأمطار ،
[/size][size=21]تحركت في اتجاه بلدتنا التي تتوارى خلف الحقول في الأفق هناك ،
[/size][size=21]حاولت التقدم بين الأوحال ،
[/size][size=21]مع كل خطوة أجتهد لنزع حذائي من بين الطين ،
[/size][size=21]فلتت قدمي اليمنى من الحذاء الذي أطبق الوحل عليه فظل ثابتا دون حراك ،
[/size][size=21]غاصت قدمي في الطين ،
[/size][size=21]لا حول و لا قوة إلا بالله ،
[/size][size=21]عدت ثانية محاولا استرداد الحذاء فإذا بقدمي الأخرى تفلت لتغوص هي الأخرى ،
[/size][size=21]لم استطع السيطرة على ضحكاتي فانطلقت تقرقع في الفضاء ،
[/size][size=21]حملت الحذاء بيدي و رحلت أكمل طريقي ضاحكا ،
[/size][size=21]حاولت الصعود للأماكن المرتفعة التي لم يغرقها الماء بعد ،
[/size][size=21]فجأة ، انزلقت قدمي ، اختل توازني ، فسقطت ممددا في الوحل ،
[/size][size=21]ارتطم وجهي يغوص بالطين ،
[/size][size=21]انفجرت في الضحك ،
[/size][size=21]لم أجد أمامي بد من الفرار ،
[/size][size=21]عندها انقلبت ممددا على ظهري بالوحل أضحك ،
[/size][size=21]اغتصب سمعي صوت جرس هاتفي المحمول ،
[/size][size=21]حاولت الجلوس حتى نجحت ،
أخرجت الهاتف من جيبي ، دست مفتاح الاتصال ، وضعته على أذني ) [size=21]ـ نعم .
[/size][size=21]( جاءني صراخ صديقي )
[/size][size=21]ـ محمد ، تعالى بسرعة عشان (عز) بيه جه و قاعد يزعق و قالب الدنيا ............
[/size][size=21]( عندها ، أخذتني نوبة من الضحك ، فألقيت بهاتفي في المياه المتجمعة حولي ،
[/size][size=21]لكنه طفا فوق سطح الماء فسمعت طلاسم صوت صديقي )
[/size][size=21]ـ بللق ... بللق .... بللق ....
[/size][size=21]( أخذتني نوبة من الضحك )
ـ اسكت أحسن لك .... هاهاها ....
ـ بللق .... بللق ....
ـ ما فيش فايدة ؟ طيب ، تستاهل بقى اللي يجرى لك ....
ـ بللق .... بللق ..... بللق ....
( أمسكت بالهاتف مرة أخرى و أغرقته بالقاع داخل الطين )
ـ بس بقى ، إنت إيه ؟ ما بتزهقش ؟ ما تبس بقى ، بس ، بس .......
( أخيرا اختفى صوته ،
تحسست الطين حولي ألتمس حذائي حتى نجحت فرفعته ،
فإذا به و قد ملأه الماء و الطين ،
رفعته أفرغ ما فيه فوق رأسي ،
فسال على وجهي و جسدي ، ـ اسكت أحسن لك .... هاهاها ....
ـ بللق .... بللق ....
ـ ما فيش فايدة ؟ طيب ، تستاهل بقى اللي يجرى لك ....
ـ بللق .... بللق ..... بللق ....
( أمسكت بالهاتف مرة أخرى و أغرقته بالقاع داخل الطين )
ـ بس بقى ، إنت إيه ؟ ما بتزهقش ؟ ما تبس بقى ، بس ، بس .......
( أخيرا اختفى صوته ،
تحسست الطين حولي ألتمس حذائي حتى نجحت فرفعته ،
فإذا به و قد ملأه الماء و الطين ،
رفعته أفرغ ما فيه فوق رأسي ،
[size=21]أخذت أردد ما قاله صديقي إيليا أبو ماضي )
[/size][size=21]ـ نسى الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها و عربد ........
[/size][size=21]( يتبع )
[/size]صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى